كُلُ شيءٍ بعدلٍ ووسطية !

السبت، 20 فبراير 2010 في 3:17 م

بسم الله الرحمن الرحيمِ، والصلاة والسلام ، على أشرف الأنبياء والمرسلينَ ، سيدِنا محمدٌ خيرَ الآنامِ ، وعلى آلهِ وصحبهِ مسكُ السلامِ ،

أتى دينُنَا الإسلاميُ الحِنيفُ داعيًا إلى التوسطِ والعِذلِ في كُلِ شيءٍ من أمورِ حَياتِنا، فلا يُقدمُ أمرًا دُنيويًا على آخر ، مما قد يؤثرُ سَلبًا على أمورٍ أخرى أكثرَ أهميةٍ ، .. كموضوعِ الدراسةِ لدى الأهلِ ، فستجدُ في موضوعِ عدمِ الوسطيةِ نوعينِ من العَائلاتِ ، فإحداهما تحثُ أبناءها المُشاكسينَ والمُهملين على الدراسة ، وتحاولُ ترغيبهم فيها بالجوائز والمحفزات ، وعندما ينجحُ ابنهم بتقديرِ "جيدٍأو "جيدٍ جدًاتَجدُهم يفرحون بهِ وىُسعدونَ أيما سعادةٍ ، ويغرقونهِ بأنواعِ الهِدايا التي يِريدُها ، فقد نَجَحَ !

أما العائلة الأُخرى ، فهي كذلك تحثُ أبناءها على النجاحِ والتفوقِ ، وتثقُ في ذكاءِ أبناءها ، وتميزهم ، وتُعيدُ تكرارَ الوصايا بالمركز الأول ، ونسبة 100% !

وأتى يومُ النتائجِ أخيرًا ، ليعود الأبناء فَرِحينَ ، فقد نجحوا بتقديرِ امتيازٍ عالٍ ، وتَوَجُوا جهودهم بنسبتي 99% و98.86% ، فصُدم الوالدان! فقد تراجعَ مستوى أبناءهم عن العامِ الماضي ! وتلقى الأبناءُ عِتابًا لتراجع مُستواهم الدراسي ، وطُرح خيارُ سحبِ آخر الهِدايا التي حِصلوا عليها !

 يدفعُنا هذا التناقض الكبير ، وعدم العدلِ إلى التفكيرِ في الأسباب وراء الأفعالِ ، فما الذي يدفعُ الوالدينِ إلى الضغط على أبناءهما ليكونا في القمةِ دراسيًا ، فليستِ الدراسةُ كُلَ شيءٍ في هذه الحياةِ !
شخصيًا أُعاني من هذه المُشكلة ، عائلتي تمثل الفئة الثانية من المُبالغات ، في الصفِ الأول الثانوي ، في الفصلِ الأولِ ، عانيتُ من متاعبَ نفسيةٍ لا حصر لها أيام الامتحانات النهائية ، وبسبب كوني أدرسُ ضمنَ نظامٍ مُطورٍ ، فلا أدرسُ غير 7 موادٍ في الترمِ ، مما يؤثر كثيرًا عند نقصِ الدرجاتِ في النسبةِ ، نقصي لم يزد عن 8 درجات ، فكانت نسبتي 98.86% ، ويبدو أني خيبتُ الآمال بهذه النسبة ، ففي الصف الثاث المتوسط كانت نسبتي 99% ، !

لم أحب هذه النسبة أنا ذاتي ، تمنيتُ نسبةً أع‍لى، وحزنتُ حينها ، لكن زاد ردُ فعل أهلي إحساسي بالحُزنِ والسوءِ ، تعلمتُ في حياتي أن لا أدع دراستي هي محورها ، هي مُهمةٌ ومن الأولوياتِ ، لكنها ليست محور حياتي بأكملها ، فهناك الكثير من الأمورِ المُهمة التي يجبُ على الإنسان الإهتمامُ بها ، كثيرًا ما أتعارض مع والدايّ بسبب هذا الأمرِ ، لستُ من النوعِ المُحبِ للتنسكِ وقت الامتحاناتِ ، ولا أحبُ أن أخذَ وقتًا طويلًا في المذاكرةِ ، لكن في الوقتِ ذاتهِ ، لا أقبلُ أن تنزل نسبتي عن 98 وإن ساء الأمرُ كثيرًا 95% كحدٍ أقصى والحمدُ للهِ ! لكن كُلُ هذا لا يعجبُ والدايّ ، رُبما الأمرُ يتعلقُ بأحلامِ الوالدين لأبناءهما ، فأغلبُ العوائلِ ترغبُ في رؤيةِ أبناءها ناجيحنَ كأطباء ومهندسينَ ومحامينَ .. إلخَ !

دونما تفكيرٍ برغبةِ الأبناء أنفسهم ، ويتشتتُ الأبناءُ بينَ رغباتهمِ الخاصةِ ، ورغباتِ والديهم ، ورغبتهم هم شخصيًا في جعلِ والديهم يفخرونَ بهم! .. وعند البعضِ رُبما لا تزالُ فكرة أن كلَ ما يقولهُ الوالدينِ صحيحٌ ، وهو الأفضلُ لنا، حتى فيما يتعلقُ بالتخصصِ الذي سيدرسهُ هو لا والديهِ، والفتاة التي سيتجوزها هوَ لا والديهِ ، .. وهُنا تحديدًا ، يأتي مبدأ الوسطية التي حث عليها الإسلام من ألفٍ وخمسمئة عامٍ .. فالاختياراتُ المصيرية ، إن لم يكن الابنُ واعيًا ومتفهمًا لما يريدُ وكيف يحصلُ على ما يريدُ ، يُعاونهُ الوالدان حتى "يعرف، ويفهم " ولا يقومان بالاختيارِ واتخاذ القرار بدلًا منهُ ! فهذا أكبرُ خطأ يقومُ بهِ الأهلُ معتقدين إنه في مصلحةِ ابنهم ، لكنه يؤثر على شخصيته وتحمله للمسؤوليةِ أيما تأثيرٍ !
شخصيًا، حاولتُ مرارًا مُحاورة والدايّ في هذا الموضوعِ ، عليّ أصلُ إلى حلً وسطٍ معهما ، لكن مع الأسف لم نصل إلى وسطيةٍ حتى الآنَ ، قالَ لي أحدهم أن هذه سنةُ الحياةِ ، رؤى الأهلِ تختلفُ عن رؤى الأبناءِ باختلافِ الاتجاهات الفكرية ، والشخصيات الإنسانية ، ورُبما كان مُحقًا !

لذا يبقى الأمرُ مُعلقًا دونَ حلٍ .. لماذا لا نستطيعُ أن نجدَ شيئًا أسطوريًا كعصى هاري بوتر ، أو جاندالف الرمادي ، تغير لنا مثلَ هذه الأمورِ التي تحتاجُ إلى سنواتٍ وسنواتٍ .. في ثوانٍ معدوداتٍ ؟!

انتهى ..
بقلم : أروى عدنان شفي


2 التعليقات

  1. جميل جداً , قد أعود يوما أحمل لكِ في جعبتي جواباً شافياً لكن حين أتخلص من بعض البثور العجيبة التي ما تنفكُ تحاصرُ من هم في قائمة البشر !

    حبيبتي لا أعرف كيفَ أقول لكِ هذا لكنكِ نثرتِ الدموع فرحاً وغبطة بعقلٍ نيّر مثلك .. زادكِ الله نوراً على نوره

    لي عودة ثقي بي
    أختٌ ربما لا تذكرينها الآن

  2. عمر Says:

    كنت أتصفح بين المدونات التي أعرفها فوجدت الموضوع هذا وكأنه يجذبني ..

    في بادئ الأمر لم أعرف لم .. لكن ما إن قرأت الموضوع حتى أدركت وكأنني أنا الكاتب وكأني أنا المعني..

    فأنا أواجه هذه المشكلة منذ الأزل وأحيانا أندم على تلك اللحظة التي حصلت فيها على الأول على المحافظة في التحصيل الدراسي .. إذ لم أجد بعدها كلمة ثناء بل هو العتاب .. مع أن نسبتي لم تنزل يوما عن 99% لكن مع ذلك فأنا مقصر وأشغل نفسي كثيرا والأهم " لم لست الأول ؟!" ولا يؤخذ في الاعتبار المشاركات والانجازات التي أحققها خارج إطار الدراسة ..

    ومما يزيد حسرتي أن الشهادة الثانوية لا تمثل لدى بعض الجامعات سوى 20% من نسبة القبول بل ربما أقل ..

    كم يستغرب ويتعجب من يسمع هذه الحال من أصحاب الدرجات المتوسطة إذ هم كما ذكرتي إن نجحوا بتقدير ممتاز لهم أي شيء يطلبونه.. أما أنا فلا ..

    لعله يكون هكذا الآباء دائما يريدون أن يفخروا بأبنائهم وبناتهم أمام زملائهم وجيرانهم .. وأعتقد أن هذا هو السبب ..

    أعتذر لإطالتي لكني أردت أن أعبر عن شعوري تجاه هذا الموضوع ..

    أشكرك

إرسال تعليق

شاركوني بحديثكم، .. فكُل شيء يحلو بالتكامل، وللنقاش جماله !