عجز الفقدان

الأحد، 9 يناير 2011 في 9:09 م


أتصدقون أني لم أشهد في حياتي موت قريبٍ ؟ لم أحضر "عزاءً" قط ؟
وإن حدث، فلم أكن في سن يسمح لي بالوعي أو التذكر!

،

يوم الأربعاء .. عُدنا من المدرسة ظُهرًا كعادتنا، وأثار تعبِ يوم الثلاثاء ما زالت المسيطرة، نصعد الدرجاتِ إلى الطابق الثاني لنرى أمي وأختي الصغرى - على غير العادة! - ولنُعلم الخبر، .. خال أمي عبد الله كُتبي، توفى رحمه الله صباحًا، قبل صلاة الفجرِ.
أتعلمون هذا الإحساس بقرب الفاجعة ؟ تجمدت، لم أعلم ما الذي يجب أن أفعله، جدتي سبقتنا مع خالي منذ ساعات إلى بيت المرحوم، وسنذهب نحنُ مع خالي الآخر لنقابل جدتي في مكان عامٍ.
مع التعب غلبني النعاس في السيارة وأنا أفكر فيما سيحدث، على أي حال ستكونُ جدتي.
اقتربنا من بوابة ذلك المطعم ولمحتها من خلف الزجاج، كما هي دائمًا، بوجهها الجميلِ المُضيء ودون أن يبدو عليها أي أثرٌ للصدمة أو الحزن، زاد المنظر من ارتباكي .. عندما اقتربت وسلمّت، لم ينطق لساني إلا بـ " كيف حالكم؟" كم كانت جُملةً بئيسة لتقال في هكذا موقف!
لكن جاءت الإجابة كالمعتاد .. " الحمدلله في خير حال "!
،
كان الغداء عاديًا، ليس كالمُعتاد مَرِحًا، لكنه "عاديّ" ..
من ضمن الأحاديث التي دارت، قال خالي كلامًا معناه: " أخوكي مات الله يرحمه، وما تحزني ؟ " بنبرته المرحة المُعتادة ..
ردها هو ما ألجمني، وأضاء لعيني نورًا كالشمسِ واضحًا!
قالت : " إنتَ لو تعرف إنه في الجنة بإذن الله محا تحزن، أليست الجنة أفضل من الدُنيا ؟ ما شاء الله عليه في آخر سنينه كان جدًا مُستقيم، فهو في الجنة بإذن الله، ليش أحزن وأنا عارفة إنه راح عند ربنا مرتاح ؟ "
إيمانكِ، إيمانكِ جدتي يُبكيني ..
يا رب، أغفر لعبد الله كُتبي، ارحمه واعفو عنه وأدخله جنات الفردوس خالدًا فيها يا رب، وأجمعه فيها بأحبابه ومُحبيه جميعًا آمنين تحت ظل عرشكَ الكريمِ يا رب.
،

حقيقة أنا لا أذكره جيدًا، أذكره كخيالٍ فقط، لم أقابله قريبًا .. لا أذكر بالضبط متى رأيته آخر مرة، لكن قبل ٤ سنوات كحدٍ أقل واللهُ أعلم، لكني لم أسمع وأعرف عنه إلا الخير.
،
في مساء الخميس كانت أولى أيام العزاء، ذهبت أمي مع جدتي من العصر، وبقيت مع أخوتي لنلحق بهم مساءً مع والدي، .. عند باب بيتهِ وقفنا، لم أحضر عزاءً قبلًا .. لا أعرف ما يجب فعله، كان مُربكًا ومثيرًا للحنق، الرغبة في فعلِ أمرٍ وعدم القدرة على احتواءه بالكامل!
دخلتُ من البابِ، .. عائشة وسمية أمامي، أبدو في اسوء حالاتي ارتباكًا كما أعتقد، تسألني سمية ما بي، .. "أول مرة في حياتي أجي عزا" لا أذكر جملتي الأخرى تحديدًا !
توجهني من يدي للغرفة على اليمين، تشير بيدها على صف من النساء المتشحات بالبياض .. "شوفي من هنا"
الحمدلله، كانت جدتي أولهن، قبل الصفِ، بعباءتها السوداء وغطاء رأسها الأبيض ‪<‬3 لم يقل لساني غير جُملة "عظم الله أجركم" مع المصافحة والقبلة على الخدين، امرأة لم أعرفها، زوجة خالو عبد الله رحمه الله، أربع أو خمس نساءٍ أخريات لم أعرفهنّ، الرقيقتان نجوان وفرح، لم أرهما إلا مرة واحدة قبل هذه، كان ومازال الانطباع الأول عنهما الرقة والهدوء .. لم أعرف ما أقول لفرح وهي أصغرُ مني سنًا .. شعورُ العجز هذا مؤلمٌ، تخيلتُ نفسي مكانها .. كيف سأشعر ؟ علي أي حالٍ سأكون ؟ حقًا .. "إنا لله، وإنا إليه راجعون" جميعًا ! ، اللهم أغفر لعبد الله إسماعيل كُتبي، اغفر له وارحمه واعفو عنه، وأدخله جناتٍ الفردوس خالدًا فيها مع من أحبَّ ومن أحبَّهُ فيكَ يا ربَّ العالمين <3>

0 التعليقات

إرسال تعليق

شاركوني بحديثكم، .. فكُل شيء يحلو بالتكامل، وللنقاش جماله !